بريس نـال ـ عمر المرابط*
إذا كانت إسبانيا بدأت اقتصاديا ترى نهاية النفق بتحقيقها نموا محتشما
قدره 0,3 في المائة في الربع الأخير من 2013 سيسمح للبلاد بتنفس الصعداء
بعد خمس سنوات من الركود، فإن هناك قضيتين سياسيتين بدأتا تأخذان حجما أكبر
وتنغصان على الحكومة، ويتعلق الأمر بكاطالونيا وبلاد الباسك.
فقد
أضحى هذان الإقليمان، المعروفان تاريخيا بتمردهما، ومن بين الأكثر غنى أيضا
بإسبانيا، في الأيام الأخيرة مصدر قلق وانشغال للسلطات والمواطنين الإسبان
على حد سواء، ويستأثران باهتمام وسائل الإعلام والنقاش السياسي في بلد
يسعى جاهدا لرص الصفوف وتجاوز الأزمة الاقتصادية التي كانت لها انعكاسات
وخيمة.
وفي تحد لم يسبق له مثيل، دعا رئيس إقليم كاطالونيا، ذي الحكم
الذاتي، أرتور ماس يوم 12 دجنبر الماضي إلى استفتاء حول استقلال هذا
الإقليم الواقع شمال شرق إسبانيا في تاسع نونبر 2014. وبحسب العديد من
المحللين فإن ذلك يعد "إعلان حرب من جانب واحد"، جاء ليسمم علاقات متوترة
أصلا مع الحكومة المركزية.
وقال ماس، خلال مؤتمر صحفي، "لقد توصلنا
مع مكونات الأغلبية في برلمان كاطالونيا إلى اتفاق لتنظيم هذه الاستشارة
السنة المقبلة (2014)"، مطلقا في هذا السياق أكبر تحد سياسي للحكومة
المركزية منذ تبني الدستور الإسباني في 1978.
وكان ماس، زعيم حزب
التقارب والاتحاد الذي يتوفر على الأغلبية في الحكومة، قد جعل من هذا
الاستفتاء رهانه في انتخابات 2012، مبرزا أنه مستعد لقبول تبعات هذا
القرار، بل وذهب إلى حد المخاطرة بمساره ومستقبله السياسي، والاستمرار حتى
النهاية في تحديه السيادي.
وفي مبادرة أثارت جدلا بمدريد، بعث الرئيس
الكاطالوني رسالة إلى الزعماء الأوروبيين ال27، باستثناء، وبطبيعة الحال،
رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، وكذا إلى وزراء خارجية 45 بلدا،
استعرض فيها مختلف مراحل هذه الخطوة، ودافع عن استشارة "ديمقراطية" يريدها
"82 في المائة من سكان كاطالونيا".
وبإثارته لـ"طلب الشعب
الكاطالوني" أوضح زعيم حزب التقارب والاتحاد أنه ليس هناك ما يبرر المعارضة
الشرسة للدولة الإسبانية لهذا الاستفتاء، لأنه "لا يوجد قانون إسباني
يمنع" إجراء هذه الاستشارة.
وجاء رد الحكومة المركزية سريعا إذ أكد
راخوي أن "سيادة الأمة مسألة لا تقرر فيها الحكومة الكاطالونية ولا الحكومة
المركزية ولا البرلمان، وإنما كافة المواطنين، وبالتالي فإن الحق في تقرير
مصير جزء من التراب الإسباني يعود لجميع الإسبان".
وأضاف رئيس
الحكومة الإسبانية، المنفتح على الحوار لكنه يبقى صارما في ما يتعلق بوحدة
وسيادة إسبانيا، أن هذا "التصويت لن يتمº لأن دستورنا لا يسمح لأي إقليم
يتمتع بحكم ذاتي أن يجعل قضية السيادة الوطنية موضوع تصويت أو استفتاء".
وتتوالى
المصائب، ففي أوج النعرة الاستقلالية التي تتأجج بكاطالونيا، يجد راخوي
وحكومته نفسيهما وسط عاصفة سياسية أخرى ببلاد الباسك، وتتمثل هذه المرة في
مواصلة القوميين تحديهم لمدريد وسياستها تجاه منظمة "إيتا" الباسكية
الانفصالية وسجنائها.
ووجدت "إيتا"، التي أضعفتها الضربات المتتالية
للشرطة، في أحزاب اليسار المستقل، ثاني قوة سياسية ببلاد الباسك، والحزب
القومي الباسكي (المحافظ) على رأس الحكومة الإقليمية، حلفاء مثاليين
للمراوغة وفتح جبهة جديدة ضد الحكومة المركزية.
وفي تحد لقرار
العدالة الإسبانية، جابت مسيرة شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص شوارع
بيلباو، منتصف الشهر الجاري، بدعوة من القوميين والانفصاليين الباسك،
مطالبين بوقف "تشتيت" سجناء "إيتا"، بعد تخلي هذه الأخيرة عن العنف في 20
أكتوبر 2011.
وكان من المفترض أن تكون هذه المظاهرة "صامتة" إلا أن
المحتجين رددوا لدى نزولهم إلى شوارع بلباو "عودة السجناء الباسك إلى
البيت"، منددين بسياسة التشتيت التي تنهجها مدريد منذ 25 سنة بهدف منع
السجناء من إعادة تنظيم أنفسهم وراء القضبان.
وبحسب الأرقام التي
قدمتها شبكة دعم سجناء "إيتا"، التي تحمل مسؤولية مقتل أزيد من 800 شخص
خلال 40 سنة من الكفاح المسلح من أجل استقلال بلاد الباسك ونافارا، فإن 520
شخصا يشتبه في انتمائهم لتنظيم "إيتا" يقبعون حاليا بعشرات السجون
الإسبانية والفرنسية.
ويبقى موقف الحكومة الإسبانية صارما لا هوادة
فيه رافضا للأمر الواقع. فوزير الداخلية، خورخي فرنانديز دياز، وجه رسالة
واضحة بهذا الخصوص، أكد فيها أن "السياسة السجنية التي تنهجها إسبانيا لن
تتغير بسبب مظاهرة أو اثنتين".
وبعيدا عن الاحتفال بنهاية الركود
الذي عانت منه إسبانيا لسنوات وعودة الانتعاش الاقتصادي، فإنه سيتعين على
الحكومة الإسبانية المحافظة مواجهة سنة 2014 التي ستكون، لا محالة، سنة
اضطراب سياسي بدأ بتحد مزدوج سيشكل، دون شك، اختبارا صعبا لراخوي ولفريقه.
*و.م.ع
لا توجد تعاليق :
أضف تعليقا