/ , / فرانكفورت .. عاصمة الاقتصاد حيث تُمطر سماء ألمانيا نقوداً

فرانكفورت .. عاصمة الاقتصاد حيث تُمطر سماء ألمانيا نقوداً


بريس نـال ـ متابعة 

 قبل أيام قليلة، أمطرت السماء نقوداً في هذه المدينة، بعدما عمد مليونير ألماني إلى نثر آلاف الأوراق النقدية من عملة "الأورو" في أحد الشوارع. فقد وضع الألماني الكريم أمامه أكياساً مليئة بأوراق من فئة خمسة وعشرة "أورو"، وبدأ في إرسالها في الهواء حيثُ تخاطف عليها المارة بكثير من الدهشة والفرح. سُئل الألماني عن سرّ فعلته، فأجاب:" أحس بسعادة بالغة عندما أشرك الآخرين فيما أملك".
خلال الأشهر السابقة، خرجت إلى الوجود حركة اسمها "احتلوا فرانكفورت" جعلت من مناهضة المالية المتوحشة هدفها الأساسي، ووضعت الاعتصام أمام المصرف المركزي الأوروبي في المدينة طريقتها في الاحتجاج، قبل أن تعمد أجهزة الشرطة إلى تفكيك مخيمات الاعتصام بذريعة احتلال الشارع العام.
ربما أن العقود الكثيرة التي قضتها المدينة كعاصمة للمال والأعمال بالدولة الألمانية، جعلت بعض مواطنيها يضيقون ذرعاً بتحويل فرانكفورت إلى مجرد أيقونة لتبادل العملات، فقرّر الألماني الكريم نثر النقود في الهواء للدلالة على عدم أهميتها، وقرّرت حركة أخرى مناهضة الرأسمالية..لكن في الجانب الآخر، تظهر المدينة غير راغبة في التخلّص من جبتها المالية، فكما يقال هنا: فرانكفورت تتنفس المال.

مواطنون من كتالونيا يطالبون بالاستقلال عن اسبانيا أمام البنك الأوربي المركزي

تتحدث بعض الروايات عن أن فرانكفورت كانت العاصمة المقدرة لألمانيا الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلّا أن رجل ألمانيا القوي آنذاك، كونراد أديناور، فضّل مدينة بون، لكنه مكّن فرانكفورت من أن تكون رائدة للمال والأعمال، فتطوّرت المدينة بشكل كبير، وتجاوزت بون وعدداً من المدن الألمانية الأخرى، لتصير اليوم أصغر مدينة كبرى في العالم!
لماذا أصغر مدينة كبرى في العالم؟ لأن فرانكفورت تجمع كل شيء، هنا تتحسّس خطوات شاعر عظيم يوجد اسمه حالياً في مجموعة من المؤسسات الأدبية، هو "جوته" الذي قال ذات مرة إنه لا يتصور أن يحب مدينة أخرى كما عشق فرانكفورت..هنا تسرق ناطحات السحاب بصرك فتحسب نفسك وسط أبراج دبي أو مباني مانهاتن..هنا ستضيع حتماً في أكبر مطار أوربي يستقبل سنوياً 40 مليون مسافر..هنا ستكتشف أكثر عدد من الجنسيات التي تسكن ألمانيا، هنا النسخة المصغرة من ألمانيا بكل اختصار!
جولة صغيرة في وسط المدينة، تجعلك تكتشف بناياتها العالية ومراكزها المالية، حيث تقف مئات المؤسسات المالية والمصرفية، ومنها البنك الألماني المركزي والبنك الأوربي المركزي، فضلاً عن بورصة فرانكفورت، البورصة الأشهر في أوربا بعد تلك الموجودة في لندن، كما ستتعرّف على أعلى بناء في أوربا وهو البنك التجاري الدولي بعلو 258 متراً.

جزء من بنايات فرانكفورت الشاهقة

توّفر هذه العاصمة المالية الألمانية آلاف فرص العمل بشكل سنوي، وهو ما يدفعها لاستقبال آلاف العمال الأجانب بشكل دوري، ومنهم المغاربة الذين يتواجدون هنا بكثرة، لدرجة أن شرب كأس قهوة في إحدى المقاهي بوسط المدينة في نهايات الأسبوع، خاصة تلك المتواجهة فوق مجمّع تجاري مشهور، يجعلك تسمع اللهجات واللغات المغربية المتنوعة، كما لو أنك في طنجة أو الدار البيضاء.
تتعدّد أغراض زوار مدينة فرانكفورت بين راغب في العثور على عمل أفضل، ومن يقصدها لأجل سياحة يرفّه بها عن النفس، ومن يضع فيها قدمه للمشاركة في واحد من معارضها المتعددة، ومن يحتج فيها من أجل مطالب سياسية كأبناء كتالونيا الذين أكدوا في مظاهرة لهم رغبتهم بالاستقلال، وهناك كذلك من يقصدها للخدمات الجنسية التي توفرها، حيث تُسجل محلاّت الدعارة المنظمة مداخيل كبيرة جعلتها تستعمر أحد الشوارع الرئيسية في وسط المدينة.

أحد الشوارع الجنسية بالمدينة

تقدّم فرانكفورت دليلاً على عزيمة الألمان في سبيل تنمية بلدهم، فقد عانت المدينة من تدمير شديد خلال الحرب العالمية الثانية، لدرجة أن هناك أحياءً بالكامل مُسحت من الخريطة. لكن، وفي ظرف سنوات بسيطة، نهضت المدينة من جديد، وتركت رداء البؤس إلى غير رجعة، لتلبس محله رداء البذاخة والترف.
وأنت تتجوّل في المدينة، تتذكر بعض التحذيرات التي سمعتها هنا وهناك عن وجود قطاع طرق جعلوا من فرانكفورت عاصمة الإجرام في ألمانيا، يقول صديق مغربي رافقنا خلال جولة بالمدينة امتدت حتى نهر الماين، إنّ رقم ضحايا الجريمة الذين تقدر نسبتهم بـ 16 في المئة من حجم الساكنة، هو السبب في هذه الشهرة السيئة، رغم أن سلطات المدينة تؤكد الانخفاض المستمر في معدلات الجريمة، فإن سمحت باستيراد اسم شارع مانهاتن الأمريكي فيما يتعلق بناطحات السحاب، فلن تسمح باستيراد اسمه فيما يتعلق بشهرته الإجرامية العالمية!

دار الأوبرا بالمدينة

الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

لا توجد تعاليق :

أضف تعليقا