بريس نـال ـ هسبريس ـ زهور باقي
على امتداد كيلومترين يتباهى شارع محمد الخامس بعمارات ذات أناقة
فرنسية، وبنايات تجمع بين اللمسة الفنية الأصيلة والديكورات العصرية.. هي
واجهات من بين أجمل ما في المدينة البيضاء.. فسحر هذا الشارع يجمع بين الفن
والهندسة، ويشهد على مرحلة تاريخية بعبق الثلاثينيات وعمران حقبة شهدت
أوجه ثرائها الحضاري في سنوات ما بين الأربعينيات والخمسينيات من القرن
الماضي.
"شارع محمد الخامس كان بطاقة تعريف لكل بيضاوي حر قبل أن يطاله إهمال
المسؤولين، بمواقعه الاقتصادية والثقافية؛ كسينما أ.ب.س وسينما أمبير
وممرات الكلاوي، سوميكا والسوق الكبير المحتضنة لعدد من المحلات التجارية
العصرية" يصرح "السِّي عبد القادر" بمرارة دافها الغيرة على سمعة شارع
طالما شرّف الحاضرة البيضاوية، قبل أن يضيف: "كان الشارع محجا للأوروبيين
والبورجوازيين ممن يرتادون معارض لافاييت، وأحيانا كان محطة لإقامة تظاهرات
رياضية كسباقات الدراجات الهوائية".
تجارة النهار ودعارة الليل
مع طلوع النهار حركة يومية عادية، حد الرتابة، تسري في الشارع الذي
يجمع بين الأصلي والعصري، بين محلات تجارية راقية وبين أصحاب المفروشات
الأرضية، باعة متجولون يتفرقون على طول الشارع تتعالى أصواتهم وتختلط
ببعضها البعض في محاولة لجلب انتباه زبناء محتملين.
المقاهي تفتح أبوابها في وجه مداومين أوفياء يلتصقون بكراسيهم لساعات
طويلة للتحرش بكل جسم أنثوي يمر من أمامهم.. والمتسولون هم أكبر المستفيدين
من الرواج التجاري.. نساء تحمل رضعا، وآخرون جعلوا من إعاقتهم وسيلة لكسب
القوت اليومي.. هذه حركية يومية اعتاد عليها ساكنة شارع محمد الخامس حتى
حدود العاشرة ليلا، حينها تنتهي قصة التجارة بانطفاء الأضواء.. فتبدأ قصص
أخرى.
حوالي الواحدة ليلا يغيب الضوء المشع لـ "مصرف المغرب" الذي يتوسط شارع
محمد الخامس، ويصبح المكان هذه المرة ماخورا لعاهرات من نوع خاص.. هنّ من
يطلق عليهن بـ"الطروطواريات".. أغلبهن يمارسن أقدم مهنة في التاريخ بالهواء
الطلق، وأتمنة "خدماتهنّ" تتراوح ما بين الـ30 والـ100درهم.. وبما أن أغلب
زبنائهن من الطبقة الفقيرة التي لا تملك مكانا تدعر فيه براحتها، فجدران
عمارات ضاربة بجذورها في عمق التاريخ شاهدة على قصص جنسية لا تدوم الواحدة
منها لأكثر من دقيقتين.
نعيمة، سعاد، لطيفة.. وغيرهن كثيرات، زيهن المفضل هو الجلباب التقليدي
أو العباءة الشرقية، لسهولة "الأداء"، أمّا وجوههن فهي مغطاة بطبقات من
مساحيق التجميل تبدو واضحة رغما عن عتمة الليل، طريقتهن في المشي مميزة
بالتفاتاتهنّ المتكررة إلى الخلف، اليمين واليسار، بحثا عن زبناء أسخياء
لهذه الليلة.
تعثر الأولى على طالب متعة عابرة، أو يعثر عليها هو في عملية بحث
معاكسة.. تصطحبه إلى باب "المصرف"، تمد يدها مطالبة بأجرتها، ثم تبدأ
عملها، أمّا صديقة لها فتمكن على بعد أمتار تراقب المكان، وما أن ينتهي
العمل حتّى يعود جلبابها كما كان وهي تختم بعبارة: "الله يسهل عليك".. أمّا
السيناريو نفسه فهو ما يتكرر دائما وكل ليلة مع أيّ "فريسة".
"كَنْجِي لشارع محمد الخامس حيث فيه الظلام ومستورين فيه، واخا شحال
هادي كانت الحَركَة دايرة مع الطوموبيلات، دابا نقصت الحركة شوية مع هَادْ
الترامواي، ولكن وْلْفْتْ الشارع وكَايْنْ الناس لِّي كَيْجِيوْ يْقْلْبُو
علِيَ هْنَا"، تقول نعيمة، فيما تضيف صديقتها سعاد وهي تشير إلى
"شمَاكريَّة" بالجوار: "وْلْفْنَاهْ يِيهْ وَاخَا كَيْسْرْقُو لِينَا
فْلُوسْنَا".
خطر المرور
بعدما سرق حي المعاريف الأضواء من شارع محمد الخامس أصبح يلعب دور
الشارع الرئيس لمدينة الدار البيضاء.. "مْشَاتْ أيام العز ديال شارع محمد
الخامس، أَيَّام كُنَّا كنْلْبْسُو أحسن ما عنْدْنَا إذَا بْغِينا
نْتْمْشَاوْ فيه"..يقول نجيب، وهو المتقاعد الذي زاد: " نْتْمْنَاوْ
الطْرَامْوَاي يْرْجّع شوية ديال الضُّو لهَاد الشارع.. من العيب أن يغدو
هذا الشارع الرمز إلى مرتع للإجرام".
متسكعون ومتشردون من الـ"بدُون مأوَى" لجؤوا إلى الشارع الحامل لاسم
جدّ الملك محمّد السادس، مجموعة منهم أخذت تصرخ: "رْدْ لِيهْ وْرَاقِيهْ
مْسْكِينْ".. لم يكن سبب ذلك غير أحد أفراد "عصابة مراهقين"، ممن يجيدون
استعمال الأسلحة البيضاء ويتربصون بالغرباء.. أمّا الضحية فلم تكن غير شاب
غفل وهو يمرّ امامهم، لتنتزع منه حافظة نقوده ويُشرع في تقاسم المال
الموجود بها.. لقد أصبح الوالجون إلى هنا مفقودين والخارجون مواليد قد
يطالبُون بحفل عقيقة.
لا توجد تعاليق :
أضف تعليقا