بريس نـال ـ هسبريس ـ فرانس24*
التقت "فرانس 24 "خلال مهرجان البندقية السينمائي
في نسخته السبعين، الكاتي والمخرج المغربي عبد الله الطايع صاحب فيلم "جيش
الخلاص" المقتبس من روايته التي تحمل نفس العنوان وتسرد أطوار زمن طفولة في
المغرب يتخلله اكتشاف المثلية الجنسية.
عرضت هذا العام في "موسترا" البندقية وهو أحد أشهر
المهرجانات السينمائية الدولية، أفلام حول مواضيع من النوع الثقيل على غرار
البطالة والإرهاب والتلوث والحرب... ولعل الفيلم الذي نجح أكثر من غيره في
ربط الصلة بين القضايا السياسية والسيرة الذاتية هو "جيش الخلاص" للمغربي
عبد الله الطايع الذي عرض في إطار "أسبوع النقد".
واقتبس المخرج عبد الله الطايع وهو في الأربعين من
عمره، الفيلم من سيرته الذاتية الصادرة عام 2006 ويسرد فيها اكتشافه
للمثلية الجنسية عبر لقاءات مع رجال في الأحياء الضيقة المظلمة والبيوت
المهجورة في المغرب حيث عقوبة هذه الممارسات السجن.
وفي نهاية الفيلم يرحل البطل إلى سويسرا بعيدا عن
قيود المجتمع المغربي المحافظ لكنه يظل يحن إلى بلاده. وفي الواقع يعيش عبد
الله الطايع في باريس منذ عشر سنوات حيث يصدر كتبه بانتظام. وحصل على
جائزة "فلور" عن كتاب "يوم الملك" من منشورات "لوسوي" عام 2010.
هل تأمل في أن يتاح عرض الفيلم في المغرب؟
أكثر من أمل، هي رغبة قوية في ذلك. عرضت السيناريو على المركز
السينمائي المغرب. لم أحذف مقاطع ولم أغير شيئا من أجل الحصول على الرخصة.
أثق في ذكائهم فهم يعرفون جيدا أنني مثلي. وافقوا على السيناريو وآمل أن
يواصلوا على نفس المنطق وأن يرخصوا عرض الفيلم.
أدرك أن بعض ما ورد في الفيلم سيصدم المشاهدين. لكن من جهتي لا أجدها
صادمة لأنها أشياء واقعية ولست الوحيد الذي عاش أو شاهد مثل هذه الوقائع.
ما الذي دفعك إلى الانتقال من الرواية إلى السينما؟
أنا مهووس بالسينما منذ صغري. أربي منذ فترة المراهقة هذا الحلم الساذج
والجدي في نفس الوقت بأن أخرج يوما ما فيلما. كنت مشغوفا بالسينما
المصرية، إذ كانت الثقافة الوحيدة في متناولنا نحن الفقراء. تلك الأفلام
التي كانت تبث علي التلفزيون تعلمنا الكثير عن الحب وعن أنفسنا وعن
المجتمع. وساهمت هذه الأفلام في إنقاذي كمثلي، فمكنتني من تكوين عالم آخر
لا أحد يقدر أن يصفه بالسيء ويبعدني عنه.
أما مراجعي السينمائية بعد ذلك فهي ثلاثية "أبو" للهندي ساتياجيت راي
وسينما الميلودراما لراينر فيرنر فاسبيندر برومنطيقيته السوداء وانتقاده
لألمانيا ونظرته الثورية والحنينة في آن واحد للمثلية. وأذكر أيضا فيلم
"النرجس الأسود" لمايكل باول فكان له تأثير مباشر على "جيش الخلاص".
كيف تتطور وضعية المثليين في المغرب؟
المثليون غير موجودين في عيون المجتمع، والقانون يجرم المثلية ويعاقبها
بالسجن. وتبقى نظرة المجتمع للمثليين قاسية جدا ومهينة. أما الصحافة
المغربية فقد تغيرت كثيرا في تناولها لهذا الموضوع، فهي تدافع عني مثلا
وتتيح للمثليين فرصة التعبير. وأسست مجموعة من المثليين المغربيين الشباب
مجلة "مثلي" باللغة العربية. وابتكرت كلمة "مثلي" في اللغة منذ بضع سنوات
لتشير للمثليين دون أن تحكم عليهم. وصارت الكلمة متداولة في كل مكان. ما لا
يتغير هو السلطة.
ويبقى الإعلان عن المثلية الجنسية في المغرب وفي العالم العربي أمرا
مستحيلا بالنسبة للأشخاص. ويبدو المغرب أكثر تقدما من الدول العربية الأخرى
بشأن المثلية إذ يوجد على الأقل جدال قائم، وخطوة ما قامت بها الصحافة
ووسائل الإعلام.
في نهاية الفيلم نشعر بحنين البطل إلى بلاده وهو يبكي في سويسرا عند استماعه إلى أغنية مغربية.
ماذا تشعر اليوم بالنسبة إلى البلاد التي قضيت فيها طفولتك؟
تربطني بالبلاد التي ولدت فيها علاقة قوية لن تمحى عبر السنين. عشت في
المغرب 25 سنة. كل ما هو مغربي هو في داخلي، الثقافة والعنف والجنس
والفولكلور... كلها غذتني.
إن إحساسي مزدوج. أدرك اليوم كل ما منعني في المغرب من أن أحقق ذاتي
وأن أفكر وأتحرر. أدرك كل ما يخنق الناس. لكن ذلك لا يحد من قوة تعلقي
بالمغرب.
من جهة أخرى فإن باريس ليست جنة ويصعب العيش فيها. فككل مكان آخر توجد
فيها علاقات يحكمها النفوذ والتلاعب. لكن الثقافة في باريس في متناول
الجميع وحتى الفقراء وهو أمر هائل. ثم في إمكان الناس أن يتقدموا في الحياة
وأن يطلقوا مشاريع وأن يؤمنوا بإمكانية تحقيقها حتى وإن كانوا أجانب. فهذا
ممكن رغم الصعوبات والعنصرية تجاه المهاجرين.
هل أنت مسلم وتؤدي فرائض الإسلام؟
أنا مسلم حر، بالمعنى الثقافي. أدافع كليا عن العلمانية، فلا يجب أن
يتحول الإسلام إلى سياسة. لكنني لا أنكر الإسلام فصلتي عميقة بكبار مؤلفي
الحضارة الإسلامية من فلاسفة وعلماء الاجتماع وكبار الشعراء.
أنا أصيل عالم يحتاج فيه الناس إلى التحرر من الدين. وإذا قضيت وقتي في
انتقاد واحتقار هؤلاء الناس لأسديت لهم خدمة، ومن الأحسن أن يستغنوا
عنها... فيجب علي بالعكس أن أؤكد وألح على العلاقة التي تربطني بهم وأن
أبقى في نفس الوقت كما أنا عليه.
هل يوجد مكان للمثليين اليوم في الإسلام حسب رأيك؟
طبعا يوجد مكان للمثليين في الإسلام! فأكبر شاعر عربي، أبو نواس، مثلي
الجنس ويتغزل في الغلمان في أشعاره. مكانتهم موجودة إذن، وكل من أراد أن
يلغيها سيخسر...
لعنة الله عليك
RépondreSupprimer